Page 78 - web
P. 78
مقالات وآراء
الإعلام الرقمي
وضرورة الإسهام في نشر القيم
الأخلاقية
مع تطور وسائل الاتصال والتحول إلى مجتمعات «التليميتيك» ،تمثل ثورة عبد المنعم ضمير
تكنولوجيا الاتصال الحديثة أحد أهم مراحل تطور التاريخ الإنساني ،نتج عنها
مجموعة من المتغيرات على مستوى إنتاج شكل المعلومات واستهلاكها، الباحث بالرابطة المحمدية للعلماء
وجعلها مصادر متاحة للجميع .لكن على الرغم من هذا التطور الذي قدم المغرب
الكثير من الفوائد للمجتمع البشري ،فإنه جعل المجتمع يرزح تحت وطأة
مجموعة من المخاطر في مجالات مهمة؛ منها :الأمن والاستقرار المجتمعي
ومكافحة الجريمة والإرهاب .إذ أصبح للإعلام بشكل عام أهمية بالغة ومكانة
مرموقة بعد الثورة التكنولوجية في ثقافة الناس في شتى المجالات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية ،...ووسيلة فعالة في ترسيخ القيم والإقناع بها ،في
وقت اختلط فيه الصالح بالطالح ،والصحيح بالكاذب؛ ما جعل للإعلام مسؤولية
جسيمة تكمن في اضطلاعه بدور ف َّعال في ترسيخ القيم.
الإعلام إ ًذا عصب التواصل ،فلا يمكن لمجتمع من المجتمعات أن يقوم
بوظائفه ،إلا من خلال استخدامه الإعلام كنسق من أنساق التواصل الاجتماعي
لتنظيم شؤون الحياة ،لذلك تعمل وسائل الإعلام بمختلف أشكالها (الصحافة،
والإذاعة ،والتلفزيون ،والمؤلفات العلمية ،والمواقع الإلكترونية ،ومواقع
التواصل الاجتماعي) ،على تنمية وتثبيت قيم المجتمع ،وهذا ما يطلق عليه
في علم النفس التعليمي (التعزيز ،أو التدعيم ،أو التثبيت) .ما يوجب على وسائل
الإعلام أن تقدم خطاًبا إعلام ًيا هاد ًفا يحمل في طياته قي ًما راقية ،وتتبع
أنماط من السلوكيات بهدف التنشئة والحماية الاجتماعية والتربوية ،واستثارة
العواطف ،وتغيير النظم المعرفية والفكرية التي تشكل مرج ًعا تداول ًيا لهوية
المجتمعات .حيث كانت الأسرة والمدرسة هي مصدر تعلم القيم ،إلى أن جاء
الإعلام واقتحم البيوت دون استئذان ،وتجاوز دو ُره دو َر الأسرة والمدرسة في
تعلم وتعميق القيم ،فأصبح التلفزيون تلاه الشبكة العنكبوتية أحد أفراد
العائلة وعلى علاقة جد مؤثرة بها ،خاصة الأطفال والشباب ،حتى صار سلطة
ثقافية وتعليمية رهيبة ،يمكن تقسيمه وفق منظور قيمي إلى ثلاثة توجهات؛
فهو إما إعلام نافع ،أو إعلام ضار ،أو إعلام منافق.
برز ذلك من خلال استخدام الإعلام الرقمي كوسيلة أساسية للتضليل الإعلامي
وبث مواد محرضة تؤثر على استقرار المجتمعات ،وذلك بفعل سرعة انتشار
المعلومات بين مستخدمي هذه الوسائل ،ما أفضى إلى صعوبة التفرقة بين
المعلومة الصحيحة والخاطئة .إذ بفضل شيوع الإعلام الرقمي وتوظيفه لأنماط
من المعرفة الرقمية تتساوق مع ديناميكية التغير البشري ،أصبح لزا ًما علينا
78